جرت عادتي قبل الإسلام إذا زرت أي مدينة أو قرية ، فأول مبنى أدخله أو أبحث عنه في هذه المدينة ، دور العبادة ، معبد أو كنيسة أو أي شيء ، وشاء المولى - عز وجل - أن أدخل مسجدا جامعا ، وكان المسلمون يصلون المغرب ، فانتظرت حتى انتهوا ، ثم تقابلت مع إمام المسجد ، الذي أخذ يجتمع بالمصلين عقب الصلاة ، ودار معه نقاش هادئ وموضوعي كان بداية طريقي للدخول إلى الإسلام "
بهذه الكلمات بدأ عبد الله المهدي حديثه والذي تناول فيه قصة إسلامه ، وكيف دخل إلى هذا الدين ، وما الذي أثر فيه .
وعن نشأته وحياته قبل الإسلام يقول عبد ا لله المهدي :
اسمي قبل الإسلام ( ليوناردو فيليار ) (Villar ) وولدت في 4/12/1935م في أسرة تدين بالنصرانية وتعتنق المذهب الكاثوليكي . ورباني في طفولتي جدي وجدتي . وكانا يؤلفانني بمذهبهما وهو عقيدة التثليث ، عقيدة تقول إن النصراني ابن الله وهو الذي نعبده من دونه . فبدآ يرسلاني إلى المدرسة الإنجليزية بعد تكرار طلبي لهذا الأمر غير أني لم أنهها والحمد لله . وعمري في ذلك الوقت حوالي خمس سنوات ، ولم يقبلني مدير المدرسة في بادئ الأمر لأني صغير السن ، وقبلني أخيرا بعد أن علم علم اليقين بأني متفوق على زملائي من حيث المعلومات .
ومرة تركوني وكنت نائما في وقت القيلولة ، وباب المنزل مفتوح فدخلت الدجاج والفراخ فاستيقظت مفزوعا وأخذت منشفة أضرب بها الدجاج فطارت إلى الأصنام التي نتوجه إليها في صلاتنا فسقطت على الأرض وتحطمت ، ومن هنا اكتشفت أنها تماثيل خشب وليست بإله ، وخاطبتها : إنك خشب ولست إله كما كان يزعم آبائي ولا تستطيعين أن تعيني نفسك ، فكيف يمكن أن تعيني غيرك ، وقد صممت أن اكسرها ولكن غلبتني طفولتي وخفت أن يضربني جدي ، فأعدتها إلى مكانها ، وأخذت أفكر في أمرها ، وكنت على يقين أن هناك إله حقا خلق الكون .
وفي صباح اليوم الثاني رأيت جدي جالسا ، فجلست إلى جواره وسألته : هل هذه الأصنام إله ؟ قال : لا ، إنما جعلناها قبلة في صلاتنا وكأننا أمام الإله في أثناء صلاتنا ، فسكت ُ ، ولم أستطع أن أعبر عما في نفسي .
حوار مع جدي :
- ومتى بدأ التغير في حياتك ؟
- في عام 1943م قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية ، وقع في يدي كتاب يسمونه بـ Gospel of Barnabes ( انجيل برنابس ) ، فقرأت فيه كلاما منسوبا إلى عيسى عليه الصلاة والسلام فيما معناه : " إنما إلهكم إلهي وربكم ربي " ، فتعجبت من هذه الكلمة لأنها تخالف تماما عقيدتنا ، وكأني لم أستطع أن أفهمه ، ولم يكن عمري في ذلك الحين يزيد عن تسع سنين ، فسألت جدي عن مقصود هذه الكلمة ، ولكنه لم يجب على سؤالي ، بل انشغل بكتاب ثم قال : لا تقرأ هذا الكتاب لأنه يضلك ويخرجك عن دينك ، وأن كاتبه ليس بنصراني ، قلت : هل هناك دين آخر غير ديننا ؟ قال : نعم ، قلت : هل هناك إله آخر غير إلهنا ؟ قال : لا . قلت : هل دينهم خير من ديننا ؟ قال : لا بل ديننا خير من دينهم وديننا خير من جميع الأديان .
فقلت : وكيف عرفتم ذلك ؟ قال : قد عرفت ذلك ، وإياك وقراءة هذا الكتاب ، فسكتت ولم أدر ماذا أقول .
فسألت بعد ذلك جدتي ثم أبي وأمي وأعمامي ، ولكن الجواب هو هو ، أي لا تقرأ هذا الكتاب .
فتساءلت في نفسي : ما هو السر الذي في الكتاب ؟ ولماذا كانوا يمنعونني من قراءته ؟ هل يمكن لأحد أن يقول شيئا عن دينه تكذيبا لخالقه ؟ وماذا يقع لو أقرأ الكتاب ؟ وغيرها من التساؤلات التي دارت في ذهني ، وأخيرا عزمت على قراءة الكتاب خفية في الغرفة وكررت قراءته وبدأت أبحث عن دين عيسى عليه الصلاة والسلام . وفي سنة 1947م تركت الدراسة وصرت لا أحضر اجتماعا دينيا . وذهبت إلى بيت يوجد فيه رجل كبير السن وطلبت منه أن يروي لي قصة الأنبياء المشهورة عندهم كداود وسليمان وإبراهيم وموسى ونوح وآدم عليهم الصلاة والسلام ، وسألته بعض الأسئلة عن الدين .
وعندما علم أبي بأني قد تركت الدراسة غضب وهددني بالقتل ، وقد زاد غضبه عندما علم بأنني أصبحت لا أذهب إلى الكنيسة لصلاة يوم الأحد .
17 سنة بدون كلل
- ولكن هل رضخت لتهديدات والدك ؟
- لم أتوقف عن البحث عن اليقين ، وبدأت أتنقل من مدينة لأخرى ، ومن جزيرة إلى جزيرة ، لمدة 17 سنة بدون تعب .
نقطة التحول ..
- كيف كانت نقطة التحول ؟
- في سنة 1963م وصلت إلى مدينة ( ماراوي ) في ( منداناو ) جنوب الفلبين ، سكانها مسلمون . وقد جرت عادتي أنه كلما وصلت إلى مدينة ما فأول بناء أدخله يجب أن يكون معبدا ، فدخلت مسجدا جامعا ، وكان المسلمون يصلون المغرب ، فانتظرت حتى انتهوا ، ثم قابلت إمام المسجد واجتمع الناس حولنا ، قلت للإمام : ماذا فعلتم آنفا ؟ قال : نصلي . قلت : هل هذا دينكم ؟ قال : نعم . قلت : وماذا تسمون دينكم ؟ قال : الإسلام . قلت : من هو ربكم ؟ قال : الله . قلت : من نبيكم ؟ قال : محمد صلى الله عليه وسلم ، فسكتُ ، لأن هذه الكلمات الثلاث " الإسلام ، الله ، محمد صلى الله عليه وسلم " أول مرة أسمعها ، وأخذت أفكر ، ثم قلت له : ماذا تقولون في المسيح ؟ قال : هو عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام وهو نبي الله . قلت : وما هو دينه ؟ قال : الإسلام . لأن كل الأنبياء كانوا يدينون بالإسلام ، ثم لاحظت أن الوقت لم يتح لنا أن نطيل الكلام وكنت غريبا في المدينة فسألته : هل عندكم كتاب يمكن أن أقرأه ؟ فأعطاني ثلاث كتب باللغة الانجليزية :
الاول : الدين الإسلام ، كتبه أحمد غلواش .
الثاني : ترجمة معاني القرآن الكريم ، ترجمة عبد الله يوسف علي .
الثالث : كتيب في العقيدة .
ثم خرجت من المسجد إلى المكان الذي أقصده ، وأخذت أقرأ الكتاب الأول بدقة لمدة عشرة أيام من أول الكتاب إلى نهايته .. ووجدت ما كنت أريده .
وأخيرا تيقنت أن دين عيسى عليه الصلاة والسلام الذي كنت أبحث عنه منذ عشرين عاما قد وجدته الآن ، وقد ذكر في الكتاب كيفية الوضوء وأركان الصلاة ، فراجعت ما فيه وأخذت أحفظه حتى أستطيع تطبيقه ، وفي صباح يوم الجمعة 24/6/1963م جئت إلى بيت الإمام وسألته : هل يجوز لغير المسلم أن يسلم لو يشاء ؟
فقال : الإسلام ليس دينا خاصا بالمسلمين فقط ، بل هو دين البشر كافة ، وعليك أنت أن تسلم ، ثم علمني كيفية الوضوء والشهادتين ، وكيفية أداء الصلاة . وعندما انتهيت من الصلاة سألته : هل أنا الآن مسلم ؟ قال : نعم .
4 سنوات دراسية
- ثم بدأت أدرس الإسلام في مدرسة إسلامية في تلك المدينة لمدة أربعة سنوات تقريبا ، ثم جئت إلى مكة المكرمة في سنة 1966م ودرست في مدرسة صولتية ، وفي آخر السنة 1967م حصلت على الإقامة لطلب العلم ، وفي سنة 1968م حصلت على منحة دراسية من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة إلى سنة 1979م وتسلمت شهادة إتمام الدراسة في كلية الدعوة وأصول الدين ، ثم بعثت من قبل دار الإفتاء - قبل أن تكون وزارة - إلى ولاية ( صباح ) الماليزية ، وإلى الآن مستمر بالعمل كداعية إلى الله لأن المدعوين في حاجة ماسة لمعرفة الإسلام .
الدعوة العدد 1732 ص 26